30 يوم: غضب وصمود وشهداء ونصر.. وثورة تنتظر الخلاص


في واحدة من أنقى ثورات العصر الحديث، قام الشعب المصري بشبابه ورجاله وشيوخه منتفضاً على نظام حكم انتهك كافة حقوقه، وقضى على كل آماله على مدى عقود عدة.. ثورة المصريين، التي مرر على شرارتها الأولى ثلاثين يوماً بالتمام والكمال، وصنفتها كبرى الجرائد والمجلات العالمية في المرتبة الأولى قبل الثورة الفرنسية، بدأت بالغضب وماتزال تتواصل للتخلص من النظام بعد أ أجبرت الرئيس السابق حسني مبارك على التخلي عن الحكم.

فعلى مدى ثلاثين يوماً، قام الشعب المصري بتظاهرات ''سلمية'' – غيرت وجه أم الدنيا - احتجاجاً على ممارسات وانتهاكات تُمارس ضده من قِبل نظام عمل على تقفيل البلد ''أمنياً''، وسد الأبواب في وجوه شبابه حتى هبوا من سباتهم غير أبهين بأرواحهم نحو هدف واحد هو الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك واقتلاعه من جذوره، لبداية مرحلة جدية في التاريخ المصري مبنية على الحرية والإنسانية والعدالة الاجتماعية، مع إعادة كافة الحقوق التي سلبت من الشعب طوال مدد حكم مبارك، إلى أصحابها الأصليين.
البداية كانت، يوم الثلاثاء 25 يناير المنصرم، استجابة لدعوة أطلقها شاب مصري يدعى وائل غنيم، واستلقفتها كافة القوى والسياسية والوطنية من أحزاب وحركات سياسية، وغيرها من شباب مصر ''الغير مسيسين''، وانطلقوا كافة محافظات ومدن الجمهورية يطالبون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، تطورت المطالب، بعد العنف والقسوة التي واجهت بها قوات الأمن المتظاهرين، إلى المطالبة برحيل الرئيس السابق حسني مبارك وإسقاط نظامه، بعد ثلاثة عقود من الهيمنة المطلقة على كل شيء على أرض المحروسة.
فمنذ أن اندلعت فورة الغضب المصرية، في ''ثلاثاء الغضب'' لتتحول إلى ثورة ''بيضاء''، خرجت الجماهير في مختلف أنحاء الجمهورية في تظاهرات أغلبها ''مليونية''، شهدت أحداثاً، ربما لم تشهد أم الدنيا مثيلاً لها من قبل، من قتل وترويع للمواطنين، من جانب طائفة - قيل أنها مأجورة وتنتمي لنظام الرئيس مبارك وأفراد من الحزب الوطني -، وعلى الجانب الآخر شهدت أيام الثورة بسالة ورجولة وشهداء وجرحى، من خيرة شباب المحروسة.
وكانت أيام الجمع التي بلغت خمسة أيام، بمثابة زلازل رجت الأرض تحت أقدام النظام ورجاله، حتى تخلى رأسه عن الحكم، مسنداً إدارة شؤون البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، فمن الغضب والرحيل والشهداء والنصر حتى الخلاص، خمسة جمع شهدت تظاهرات ''مليونية''، كلها كانت سلمية، وحضارية بشهادة العالم أجمع.
فبعد ما جرى من قتل وترويع للمتظاهرين ''سلمياً''، في 25 يناير، دعا الشباب إلى تظاهرة مليونية في يوم الجمعة 28 يناير سميت بـ ''جمعة الغضب''، على نظام الرئيس السابق حسني مبارك وزبانيته، بهدف الضغط لتنفيذ المطالب ''المشروعة'' للمتظاهرين، الذين اتخذ بعضهم ميدان التحرير مكاناً يعتصمون به حتى الاستجابة لمطالبهم أو ''الموت في الميدان'' - وفقاً لتأكيداتهم -، وفي ذلك اليوم خرج ملايين المصريين في كافة أنحاء الجمهورية من شرقها لغربها، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتطورت المطالب مع حلول المساء، وارتفع سقفها ليصل لحد المطالبة برحيل مبارك ونظامه، بفضل التصعيد ضد المتظاهرين من جانب قوات الأمن التي استخدمت كافة الوسائل الغير مشروعة لتفريق المواطنين الغاضبين، مما أسفر عن وقوع الكثير من الشهداء والجرحى، وكذلك الانسحاب ''المنهجي'' للشرطة من مواقعها.
قبل انقضاء ''جمعة الغضب'' خرج علينا الرئيس السابق بأول خطاب له بعدما جرى ما جرى من قتل وفتك بالمتظاهرين ووقوع ما وقع من قتلى ''احتسبوا عند الله شهداء''، وآلاف الجرحى، ليعلن إقالة حكومة نظيف، ووعود بإجراء إصلاحات دستورية، إلا أنه في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 2 فبراير فوجئ المعتصمون بالتحرير بجحافل من البلطجية والمسجلين خطر وأرباب السوابق، يشنون هجوماً دامياً عليهم بالجمال والخيول والبغال والحمير فيما عرف بـ ''موقعة الجمل''، والتي استمرت حتى صباح الخميس 3 فبراير، الأمر الذي جعل المتظاهرين يصرون على مطلبهم برحيل مبارك ونظامه، وأنهم لن يبرحوا أماكنهم مادام بقى في سدة الحكم.
بعد انقضاء الأسبوع الأول من فورة الغضب الشعب المصري، وما شهده من تظاهرات مليونية في محافظات عديدة، جاء يوم الجمعة 4 فبراير الذي أطلق عليه الثوار ''جمعة الرحيل''، أملاً أن تكون آخر يوم في حكم مبارك.. هذا اليوم خرج ملايين من المواطنين تحت حماية القوات المسلحة – الدرع الواقي للشعب ضد العدوان الخارجي والداخلي أيضاً بعد أن خذلته قوات الشرطة -  ليؤكدوا على مطلبهم بإسقاط النظام، وإقامة دولة ديمقراطية جديدة،ـ ينعم مواطنوها بالحرية والكرامة الإنسانية.
لكن أمل أهل ''جمهورية التحرير'' خاب هذه الجمعة أيضاً، حيث ظل الرئيس السابق مبارك متمسكاً حتى الرمق الأخير بكرسي الحكم، وحاول تهدئة المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير وامتصاص غضبهم، بإعلانه عن عدم نيته الترشح لولاية جديدة، وتعيين نائباً له، فضلاً عن إلغائه فكرة التوريث بإعلان عدم خوض ابنه جمال مبارك انتخابات الرئاسة المقبلة.
بعد ''جمعة الرحيل''، وبعدها الأيام السبعة، التي عرفت بـ ''أسبوع الصمود''، حل يوم 11 من الشهر الجاري، والذي عرف بـ ''جمعة الشهداء''، وسط حالة من الترقب والخوف من المستقبل - كان ما يزال مجهولاً-، وظل ميدان التحرير ممتلأً عن آخره بالمتظاهرين، الذين لم يكلوا ولم يملوا من ترديد الهتافات المطالبة برحيل الرئيس السابق مبارك ونظام حكمه، في حين توجه مئات الآلاف إلى قصور الرئاسة في مناطق عابدين والقبة ومصر الجديدة بالقاهرة، ورأس التين في الإسكندرية، في تحرك من جانب المتظاهرين لإجبار مبارك على الرضوخ لمطالبهم.
وظل الأمر معلقاً، والجماهير المناوئة تنتظر وتترقب، حتى ظهر نائب الرئيس السابق نحو الخامسة والنصف من مساء يوم ''جمعة الشهداء''، ليعلن على الملأ أن الرئيس مبارك قرر التخلي عن الحكم، وإسناد مهمة إدارة البلاد في الفترة المقبلة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. الأمر الذي قابله المتظاهرون المحتشدون في ''جمهورية التحرير''، بالتهليل والتكبير والفرحة الغامرة - تسببت في وقوع الاغماءات في صفوف المحتشدين بالتحرير -  التي اجتاحت كافة شوارع مدن ومحافظات الجمهورية من الإسكندرية إلى أسوان.
وعلى مدى سبعة أيام بلياليها، عاش غالبية المصريون في فرحة غامرة، لزوال الرئيس مبارك، ونجاح ثورتهم في إحداث تغييرات، وإن لم تكن هي كل التغييرات المطلوبة، لتتحول مصر إلى دولة ديمقراطية مدنية تحترم حقوق الإنسان، وتصون كرامة مواطنيها داخلياً وخارجياً، وتوفر ما يضمن لهم حياة كريمة، حتى جاءت ''جمعة النصر''، التي احتشد فيها نحو 3 ملايين مصري، تحت شعار ''ارفع رأسك أنت مصري''، جاءوا من كل حدب وصوب إلى ''جمهورية التحرير''، ذلك الميدان الذي تحول إلى رمزاً تاريخياً لثورة المصريين وتحريرهم من قوى الظلام والاستبداد، بعد أن كان رمزاً لثورة الضباط الأحرار سنة 1952، إلى أن أصبح بعد أكثر من 58 سنة رمزاً لثور شباب مصر التي اندلعت يوم 25 يناير.
في ''جمعة النصر''، تزين ميدان التحرير، بعد أسبوع من عمليات تجميل وترميم وتنظيف ما علق به من أذى، جراء المواجهات العنيفة، التي جرت بين المتظاهرين المناوئين لمبارك والمؤيدين له تارة، وبين المناوئين وقوات الأمن تارة أخرى، ووقف الجيش كعادته، وقفة الفرسان الأوفياء لشعبهم الذي يستمدون منه شعرية وجودهم، يقابلهم بوجوه بشوشة تعلوها علامات الترحيب والابتسامات، وأيادٍ تحمل الأعلام يهدونها للأطفال، ويعملون على تأمين كافة من حضروا للميدان، للاحتفال بالثورة ''البيضاء'' التي رفع بسببها العالم أجمع القبعة للشعب المصري، حتى أن البعض طالب بمنحه جائزة نوبل للسلام تكريماً له على سلمية ثورته.
وبعد ''النصر''، استجابت الجماهير لدعوات قوى المعارضة وخرجت بالملايين فيما سمي بـ ''جمعة الخلاص'' والتي آتت بعد مرور شهر على بداية هبة المصريين على نظام الرئيس السابق حسني مبارك، واحتشد مئات الآلاف في ميدان التحرير، للمطالبة بإقالة حكومة الدكتور أحمد شفيق، ومحاسبة كافة المسؤولين المضلعين في قضايا فساد وإفساد والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وسرعة إجراء الإصلاحات المطلوبة لإقامة حياة سياسية وديمقراطية على أسس سليمة.
مصراوي

إرسال تعليق

0 تعليقات