العاشر من رمضان.. نصر ينبغي تذكره


اليوم هو العاشر من شهر رمضان، شهر البركة والخير والمغفرة والقرب من الرحمن الرحيم، وهو أيضا شهر النصر العظيم، بطولات وفتوحات كبيرة في تاريخ هذه الأمة كان قدر الله لها أن تكون في رمضان، وأبناء جيلي كان من حظهم أن يعيشوا أجواء بطولة من هذه البطولات، وهي نصر العاشر من رمضان 1393 هجرية، ذلك اليوم التاريخي الفذ الذي أعاد لمصر ووطنها العربي والإسلامي مشاعر العزة والكرامة، ذلك اليوم الذي شفى الله به صدور قوم
مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم بفضله ورحمته.
معركة العاشر من رمضان هي الحدث الأهم والأخطر والأكبر في تاريخ العرب الحديث بلا نزاع، لقد خاضت القوات المسلحة المصرية المعركة بنفس منطق المجاهد العظيم طارق بن زياد عندما عبر البحر إلى الأندلس وأحرق السفن حتى يقطع السبيل على أي تفكير في الفرار أو أي احتمال للهزيمة، وقال قولته التي سارت مثلا في التاريخ : العدو من أمامكم والبحر من ورائكم.
لقد خاض الجيش المصري البطل تلك المعركة وهو يعلم، ومصر كلها تعلم أنها معركة الوجود، لأن انكسار الجيش المصري فيها لو حدث فإنه يعني النهاية، والذل الذي يهيمن على مصر ـ لا سمح الله ـ لقرن كامل بعدها على الأقل، لأن مصر كانت قد انكسرت قبلها بست سنوات انكسارا مروعا بهزيمة 1967، التي أهانت العسكرية المصرية كما أهانت مصر والعرب وأتاحت للعدو الصهيوني أن يقدم نفسه للعام كسيد وحيد للمنطقة، والجيش الذي لا يقهر، وظل بالفعل يعربد في أجوائها طوال سنوات ما عرف بحرب الاستنزاف.
الجيش المصري خاض المعركة وليس لديه أي احتمال آخر، إما النصر وإما الفناء، وهي مغامرة مروعة ورهيبة على المستوى النفسي والمعنوي، فكتب الله له النصر المبين بفضله سبحانه، ولذلك كان انتصار الجيش المصري في معركة العاشر من رمضان بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، فلم تربح إسرائيل من بعدها حربا من الحروب التي خاضتها حتى مع المنظمات الفلسطينية أو اللبنانية.
لقد أنهت حرب رمضان أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكشفت هذه المعركة عن معدن الإنسان المصري، عن عبقرية المقاتل المصري الذي يغالب ضيق اليد ومحدودية الإمكانيات بأفكار بسيطة ولكنها تملك المفاجأة والإبداع، كما حدث من سلاح المهندسين في تفكيك خط بارليف، ومواجهة الأسلحة الإسرائيلية الأمريكية الأكثر تفوقا وتطورا.
نصر رمضان أساءت إليه كثيرا السياسات التي اختارتها القيادة المصرية بعد ذلك، سواء في القبول بمعاهدة السلام أو ما بعدها من إجراءات التطبيع، وقد استغل البعض مثل هذه القرارات والتوجهات وحاولوا إهالة التراب على معنى النصر العظيم، وكتبت سخافات كثيرة عن سيناريو المعركة المتفق عليه، وعن مسألة ثغرة الدفرسوار وتضخيم خطورتها، وكلها سخافات خلطت بين مصر.. جيشها ونصرها العظيم من ناحية، وبين أخطاء القيادة السياسية في استثمار قيمة هذا النصر، ولذلك أساء كثيرون إلى العسكرية المصرية وإلى معنى هذا النصر الرائع الذي عشنا أيامه كأنها الحلم الجميل أو الخيال الذي مر بخاطرنا ولم نستطع أن نصدقه قبل أن نفيق.
سيظل يوم العاشر من رمضان رمزا لانتصار الإرادة وانتصار الكرامة العربية، سيظل هذا اليوم العظيم مصدر مجد وفخر وإجلال يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ويظل وساما على صدر كل مقاتل مصري شارك في العمليات أو حضر لها أو مهد لها، كما نرجو أن يكون شفيعا للشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الذكية لله تعالى قبل ربع قرن، من أجل أن أعيش أنا وأولادي وأبناء بلدي ننعم بالكرامة والعزة، فطوبى للشهداء .

إرسال تعليق

0 تعليقات