مبارك : نصر أكتوبر أسعد لحظات حياتي.. استعاد العزة والكرامة


أدلي الرئيس محمد حسني مبارك بحديث شامل لجريدة القوات المسلحة بمناسبة مرور 37 عاماً علي نصر أكتوبر ..73 الرئيس مبارك أكد في حديثه للجريدة أن نصر أكتوبر استعاد العزة والكرامة لمصر وأعاد للعسكرية المصرية العريقة مجدها وشرفها العسكري واسترد سيناء لسيادة الوطن بعد سنوات الاحتلال.
أضاف الرئيس مبارك أن احتفالنا بذكري هذا النصر العظيم يأتي تخليداً لأرواح الشهداء وتكريماً لكل من شارك في ملحمة أكتوبر من رجال القوات المسلحة.




أكد الرئيس مبارك ان مصر تؤمن بالسلام العادل والشامل والدائم كشرط ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار ولم تدخر جهداً خلال الأعوام الماضية لدفع وإنقاذ مسيرة السلام الذي لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية.
أشار الرئيس إلي أن مصر تواصل اتصالاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا لإنقاذ عملية السلام وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي اتصل بي مرتين للخروج من المأزق الراهن وقلت له إن استئناف بناء المستوطنات يعرقل المفاوضات ويقوض عملية السلام وأن عملية السلام لا تحتمل فشلاً جديداً.
حذر مبارك من تصاعد العنف والإرهاب إذا انهارت مفاوضات السلام.
استعرض الرئيس مبارك جهود مصر للوصول لسلام شامل وعادل في المنطقة وأيضاً الوضع الإقليمي والدولي وموقف مصر من العديد من القضايا.. وكذلك الإنجازات التي تحققت وما وصلت إليه قواتنا المسلحة من قوة تؤهلها للاضطلاع بمهامها الوطنية.
سيادة الرئيس.. كل عام وسيادتكم بخير بمناسبة احتفال مصر وقواتها المسلحة بالعيد السابع والثلاثين لنصر أكتوبر المجيد.. هذا النصر الذي رفع هامات الشعب المصري وأثبت أن العسكرية المصرية صاحبة الجذور الضاربة في التاريخ لا تقبل المساس بأمن مصر أو انتقاص حبة رمل من أرضها.
* سيادة الرئيس.. ماذا يمثل هذا الاحتفال لسيادتكم.. وهل حقق نصر أكتوبر أهدافه كاملة؟
كل عام ورجال قواتنا المسلحة وشعب مصر بخير.. احتفالنا بنصر أكتوبر هو احتفال بيوم مجيد في تاريخنا.. استعاد العزة والكرامة لمصر.. الدولة والشعب.. واستعاد للعسكرية المصرية العريقة مجدها وشرفها العسكري.. واسترد سيناء لسيادة الوطن بعد سنوات الاحتلال.
أما عما يمثله لي الاحتفال بذكري النصر.. فيكفي أن أقول لك إن أسعد لحظات حياتي كانت عندما تلقيت تقارير نجاح الضربة الجوية يوم 6 أكتوبر.. فقد أدركت ساعتها أن الطريق أصبح مفتوحا أمام أبطال القوات المسلحة للعبور من الهزيمة إلي النصر.
إحساس الشعب بحجم نصر أكتوبر وعظمته.. جاء في حجم الصدمة من هزيمة عام 1967 وفداحتها وتداعياتها.. كما جاء النصر ليعكس الجهد الضخم الذي تم لإعادة بناء قواتنا المسلحة.. تخطيطاً وتدريباً وعتاداً.. والخبرات والدروس المستفادة التي اكتسبها المقاتل المصري خلال حرب الاستنزاف.. فدخل حرب أكتوبر مؤمنا بالنصر أو الشهادة.
احتفالنا بذكري النصر يأتي تخليداً لأرواح الشهداء. وتكريما لكل من شارك في ملحمة أكتوبر من أبناء القوات المسلحة. ولجيل عظيم من شعب مصر وقف إلي جانبهم وقدم العديد من التضحيات من أجل تحرير الأرض واستعادة العزة والكرامة.. وفضلاً عن ذلك.. فإن الاحتفال بذكري النصر يضع أمام أجيالنا الجديدة هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الوطن.. لسنوات الهزيمة والنصر.. لكيلا ننسي.. ولكي تظل مصدر إلهام لشعبنا في بناء مستقبل الوطن. علينا أن نستعيد "روح أكتوبر" ونحن نجتهد لصنع المستقبل الأفضل.. وعلينا أن نؤمن بأن أي إنجاز نحققه هو انتصار للإرادة المصرية ولأبناء الوطن.. فالقوة العسكرية رغم أهميتها لابد أن تصاحبها قوة الاقتصاد والبحث العلمي والثقافة.. بما يحقق في النهاية القوة الشاملة للدولة.
أما عن التساؤل عما إذا كان نصر أكتوبر قد حقق كافة أهدافه.. فيكفي أنه استعاد لمصر أرض سيناء. وفتح الطريق إلي السلام ولتوجيه مواردنا للتنمية ولخير شعبنا بعد سلسلة من الحروب استنزفت ثروات مصر ومواردها.. خرجنا منها ببنية أساسية متهالكة أعدنا بناءها وحققنا انجازات عديدة بكافة قطاعات الإنتاج والخدمات. إنجازات أتاحت لنا استيعاب زيادة سكانية تقترب من الضعف.. بين تعداد شعبنا عندما رفعتُ علم مصر فوق سيناء.. وبين تعدادنا اليوم.
* سيادة الرئيس.. مع ذكر سيادتكم لعملية السلام كاستثمار رئيسي لنصر أكتوبر العظيم. وتحمل مصر مسئوليتها كاملة في ذلك. واتصالاً بكل الأطراف. والسعي لإقناع الجميع بأهمية السلام. سواء كاستثمار لنتائج الحرب. أو من أجل مستقبل أفضل للمنطقة.
سيادة الرئيس.. تبدو جهود سيادتكم واضحة. سواء علي المستوي الدولي أو الإقليمي. وقد تحملتم مسئوليات جساما من منطلق أن مصر هي الراعية الرئيسية للسلام في المنطقة وشاركتم في اجتماع واشنطن لإطلاق المفاوضات المباشرة التي استقبلت مصر جولتها الثانية يوم 14 سبتمبر الماضي في شرم الشيخ. وبذلتم الجهد لتقريب وجهات النظر ما بين الأطراف.. فما هي رؤية سيادتكم لعملية السلام
برمتها. وهل ستحقق المفاوضات المباشرة أهدافها في إقامة الدولة الفلسطينية؟
نعم.. مصر فتحت الطريق للسلام في الشرق الأوسط.. ولم تدخر جهداً خلال الأعوام الماضية لدفع مسيرتها وإقالتها من عثراتها. نحن نؤمن بالسلام العادل والشامل والدائم كشرط ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار لكافة دول وشعوب المنطقة.. والسلام لن يتحقق إلاّ بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.. وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. القضية الفلسطينية هي جوهر النزاع العربي الإسرائيلي ومفتاح تسويته.. وتحقيق تقدم وصولاً لاتفاق سلام علي المسار الفلسطيني.. يفتح الطريق أمام تحقيق تقدم مماثل وإتفاقات مماثلة علي المسارين السوري واللبناني.
مواقفنا معروفة.. وما نقوله في العلن هو ما نقوله داخل الأبواب المغلقة.. نتمسك بثوابت الموقف الفلسطيني والعربي.. ونحن مع السلام العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها.. علي نحو ما تضمنته مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام .2002
لقد بذلتُ جهوداً كبيرة لتهيئة الأجواء لإطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن.. وطرحتُ رؤية مصر بقوة ووضوح في كلمتي بالبيت الأبيض.. كما عاودت طرحها خلال استضافة الجولة الثانية من المفاوضات في شرم الشيخ. من غير المعقول أن تنطلق المفاوضات ثم تتوقف بسبب استئناف بناء المستوطنات.. فالنشاط الاستيطاني يلتهم الأراضي المحتلة علي نحو ينال من أهم مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة.. وهو الأرض.
نواصل اتصالاتنا مع الجانب الإسرائيلي والولايات المتحدة وأوروبا لإنقاذ عملية السلام.. وزيارتي السريعة لألمانيا وإيطاليا جاءت في هذا السياق وقبل أيام معدودة من انتهاء مهلة تجميد الاستيطان. رئيس الوزراء الإسرائيلي اتصل بي مرتين في محاولة لإيجاد مخرج من المأزق الراهن.. وقلت له إن استئناف بناء المستوطنات يعرقل المفاوضات ويقوض عملية السلام. أبومازن طلب اجتماع لجنة المتابعة العربية بالقاهرة يوم 4 أكتوبر.. وأتطلع لمواقف إيجابية ومسئولة من إسرائيل تنقذ مفاوضات السلام.
عملية السلام لا تحتمل فشلا جديدا.. وأحذر فيما أقوم به من اتصالات من تصاعد العنف والإرهاب في المنطقة وعلي اتساع العالم.. إذا انهارت المفاوضات.
* سيادة الرئيس.. الوضع في الشرق الأوسط. يحتاج وقفة لمحاولة الفهم. فالمحللون يشيرون إلي تراجع قوي إقليمية. وبروز قوي أخري. والبعض يشير إلي اختلال التوازن الإقليمي لصالح الدول غير العربية التي تسعي إلي توسيع نفوذها من أجل فرض هيمنتها علي المنطقة علي حساب القوي العربية ذاتها. كما ظهرت خلال المرحلة الأخيرة تحالفات ومحاور واستقطابات تخل بالأمن القومي العربي. وأدت إلي تدخل القوي العالمية في تسيير أمور المنطقة. كل ذلك يدفعنا سيادة الرئيس لمحاولة فهم ما حولنا. وأثره علي أمن مصر القومي؟
 الشرق الأوسط يتمتع بأهمية جيوستراتيجية فائقة لأسباب عديدة.. هكذا كان دائما.. وسوف يظل. لدي هذه المنطقة البترول والغاز.. والممرات البحرية لإمدادات الطاقة عبر خليج "هرمز" و"باب المندب" و"قناة السويس".. كما أن المنطقة تمثل نقطة التقاء آسيا وأفريقيا مع أوروبا ومنطقة القوقاز.
نحن في مصر نعي كل ذلك تماما.. ونعي ارتباطه بأمن مصر القومي بمفهومه الشامل.. وفي صلته بأمن الخليج . وأمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي. والأمن الأورومتوسطي والأورو أطلنطي.. وندير تحركنا وعلاقاتنا الخارجية.. بما يحفظ أمن الوطن ويحقق المصالح المصرية علي كافة دوائره ومحاوره. نتعامل بمنطق الصداقة والصراحة مع الجميع.. بما في ذلك القوي الكبري.. وعندما اختلفنا مع مفهوم "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحته الإدارة الأمريكية السابقة.. أعلنا موقفنا بقوة ووضوح. الدور المصري الإقليمي سيظل دوراً أساسياً.. لاعتبارات عديدة.. وبحكم التاريخ والجغرافيا والمكانة. مصر تمارس دورها كقوة اعتدال.. دون صخب أو ضجيج.. وكالتزام قومي تجاه أمتها وهويتها ومنطقتها العربية.. وأيضاً كمتطلب من متطلبات الأمن القومي المصري.. فمصلحة مصر وأمنها يقتضيان العمل من أجل سلام وأمن واستقرار هذه المنطقة الصعبة والحساسة.
نحن في مصر نرحب بأي إسهام يعزز استقرار الشرق الأوسط. إيران دولة إقليمية هامة وعضو بمنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز.. ويمكنها أن تصبح جزءاً من حل أزمات الشرق الأوسط بدلاً من أن تكون أحد أسباب مشاكله. مصر لم تبادر بقطع علاقاتها مع إيران.. وإنما كانت إيران المبادرة إلي ذلك بعد توجه الرئيس السادات إلي السلام.. لا يزالون في طهران يطالبون مصر بإلغاء إتفاق "كامب دافيد".. في حين أنه لا يعدو أن يكون "اتفاق إطار" انتهي عندما تمت بلورته في معاهدة سلام نحرص عليها ونلتزم بها.. طالما بادلتنا إسرائيل حرصاً بحرص والتزاماً بالتزام. استقبلت خلال الأعوام الماضية العديد من كبار المسئولين في إيران.. الرئيس خاتمي عندما كان في موقع الرئاسة وبعد أن غادره.. والدكتور علي لاريجاني عندما كان مسئولاً عن الملف النووي الإيراني. والسيد علي ناطق نوري كبير مستشاري المرشد الأعلي. والسيد حداد عادل الرئيس السابق للبرلمان.. وغيرهم.. والملفات المطروحة تتجاوز مجرد اسم الشارع والجدارية في طهران التي تمجد قاتل الرئيس السادات. وإنما في ملفات أخري بعضها له طابع أمني. والبعض الآخر يتصل بسياسات إيران المناهضة للسلام والحاضنة لقوي التطرف.
المشكلة الآن أن تصاعد المواجهة حول برنامج إيران النووي.. يجر المنطقة بأكملها إلي حافة الهاوية. إيران لها الحق في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.. مثلنا ومثل كافة أطراف معاهدة منع الانتشار.. وأتطلع مخلصا لأن تستمر إيران في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي.. لتثبت الطابع السلمي لبرنامجها النووي.. ولتجنب شعبها وشعوب المنطقة تداعيات كارثية نحن جميعا في غني عنها.. فالشرق الأوسط ليس في حاجة للأسلحة النووية سواء جاءت من إسرائيل أو إيران.. فهذا يفتح الباب أمام سباق للتسلح النووي في المنطقة.. بكل ما يحمله ذلك من مخاطر وتبعات.
أما بالنسبة لتركيا.. فإنها تمثل هي الأخري دولة إقليمية هامة بالشرق الأوسط.. تربطنا بها علاقات متميزة.. تشهد تشاوراً مستمراً علي المستوي السياسي.. وتعاوناً مطرداً في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة.. والزيارة الأخيرة للرئيس عبدالله جول.. ومشاركته في حفل تخرج الدفعة الأخيرة للكلية الحربية.. خير شاهد علي ذلك.
يحلو لبعض الدوائر الغربية أحيانا أن تصور تركيا وكأنها تتباعد عن الغرب وتتجه للاصطفاف مع الراديكاليين في العالمين العربي والإسلامي. كما يحلو للبعض في منطقتنا أن يحاول الإيحاء بتنافس الدورين المصري والتركي في الشرق الأوسط.. خاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية بوجه عام.. والوضع في "غزة" بوجه خاص.. وأنا لا أتفق مع هذا الطرح أو ذاك.. فتركيا عضو هام في حلف شمال الأطلنطي.. وتسعي لاستكمال مقومات انضمامها للاتحاد الأوروبي.. بل وتربطها بإسرائيل علاقات وطيدة للتعاون بكافة المجالات بما في ذلك التعاون العسكري. صحيح أن العلاقات فيما بينهما تضررت بالاعتداء الإسرائيلي علي "قافلة الحرية".. إلاّ أن كلا الجانبين يسعيان لاحتواء هذا الضرر.
الدوران المصري والتركي يتكاملان ولا يتنافسان.. فتركيا تتجه لاستعادة عمقها الجنوبي بالمزيد من الاهتمام بقضايا العالمين العربي والإسلامي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.. ولأن هذا الاهتمام حديث العهد نسبياً.. فإن الأمر يقتضي توضيح بعض خلفيات المواقف وتعقيداتها للأصدقاء في تركيا.. وهو ما يتم من خلال التشاور المستمر فيما بيننا.
* سيادة الرئيس.. تتعدد الأخطار المؤثرة علي الأمن القومي العربي. والتي تترك آثاراً علي أمن مصر القومي. فهناك مشاكل خطيرة في السودان وفي الصومال. وهناك أزمات في لبنان وفي العراق. وهناك أخطار تتعرض لها دول الخليج. كما كان هناك أزمة بين مصر والجزائر. هذا إلي جانب ما يحدث في فلسطين.
سيادة الرئيس.. يدعونا ذلك إلي الاستماع إلي رؤية سيادتكم لمسار ومستقبل تلك الأزمات وأثرها علي الأمن القومي المصري؟
 أزمات المنطقة ليست جديدة عليها.. فنحن نعيش في منطقة صعبة.. والمهم أن نتعامل مع هذه الأزمات بما يحفظ الأمن القومي المصري والعربي.
السودان الشقيق يمر بمرحلة دقيقة في تاريخه مع اقتراب موعد الاستفتاء يناير المقبل وفق اتفاق السلام الشامل الموقع في "نيفاشا" يناير العام الماضي. ولقد بذلت مصر قصاري الجهد مع الأشقاء في الخرطوم وحكومة الجنوب ليصبح خيار الوحدة جاذباً وليس الانفصال.. وإنني أتطلع مخلصاً لأن تأتي نتيجة الاستفتاء أياً كانت محققة لصالح كل أبناء السودان.. بعيداً عن أية مظاهر للعنف أو المواجهة. أما الوضع في "دارفور" فإنه يشهد تحسنا مطرداً آمل أن يتواصل تحقيقاً لسلام أبناء الإقليم وكافة أبناء السودان. أما الصومال.. فإنه لا يزال نهباً لعدم الاستقرار.. ولا يزال أبناؤه تتنازعهم الخلافات والانقسامات.. مع ضآلة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.. وعزوف الأمم المتحدة عن نشر قوة تابعة لها.. أو قوة مهجنة مع الاتحاد الأفريقي علي نحو ما تم في دارفور.. ومن المؤسف حقا أن نري هذا البلد العربي والأفريقي الشقيق معرضا طوال هذه السنوات للعنف وغياب الأمن والاستقرار.. بما يهدد وحدته وسلامته الإقليمية بالنظر للوضع القائم في "بونت لاند" و"صومالي لاند".
وبالنسبة للبنان.. هناك سحب تتجمع في سمائه خلال الأشهر القليلة الماضية.. ندعو الله أن يقي الشعب اللبناني الشقيق عواقبها وشرورها. الحركة علي الساحة اللبنانية الآن تدور حول القرار الظني المتوقع للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.. ومصير الوفاق اللبناني وتعايش كافة طوائفه وأبنائه لا يصح أن يصبح رهينة لهذا القرار الظني.. أيا كان محتواه.
أما العراق.. فالأمل معقود علي توافق أبنائه علي تشكيل حكومة متسعة القاعدة.. تمثل كافة قواه وأطيافه السياسية.. تعكس نتائج الانتخابات التشريعية دون تهميش لأحد.. تحفظ هوية العراق العربية.. وتستكمل العملية السياسية واستعادة الهدوء والاستقرار.. بعيدا عن الطائفية.
وحول الأخطار التي تتعرض لها منطقة الخليج.. فمصر علي اقتناع راسخ بارتباط أمنها القومي بأمن الخليج.. وتربطها بدوله العربية علاقات تشاور وتنسيق مستمر.
وبالنسبة لفلسطين.. فقضية شعبها هي الشغل الشاغل.. ومصر تتحرك علي مسارين أولهما هو ضمان استمرار وإنجاح مفاوضات السلام ودعم المفاوض الفلسطيني.. والثاني هو إنهاء الانقسام الراهن بما يتيح رفع الحصار المضروب علي "غزة" وإنهاء معاناة أهاليها.. وبما يوحد الصف الفلسطيني.. ليتحدثوا بصوت واحد دفاعا عن قضيتهم وحقوقهم المشروعة.
أما عن علاقات مصر والجزائر.. فهي علاقات بين إخوة أشقاء.. لا ينال منها حدث عارض مهما كان.. خاصة إذا تعلق بمباريات رياضية المفترض أن تقرب بين الشعوب.. وليس العكس. هذا ما قلته لأخي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عندما التقيته في "نيس" خلال قمة فرنسا / أفريقيا شهر مايو الماضي. وعندما زرته بالجزائر شهر يوليو اللاحق.. وقد بادلني الرئيس بوتفليقة ذات الاقتناع والمشاعر.. فهو صديق عزيز تمتد صداقتي به لسنوات عديدة مضت.
* سيادة الرئيس.. عودة إلي الموقف الدولي. وفعالية الدور المصري في محيطنا الإقليمي والنظام العالمي. قمتم سيادتكم خلال هذا العام بالعديد من الزيارات الخارجية. كما استقبلتم العديد من زعماء العالم والعديد من كبار المسئولين العرب والأجانب. اسمح لي سيادة الرئيس بفتح ملف العلاقات المصرية الدولية؟
 عن الدور المصري.. يكفي أن أقول إن مصر تتولي حاليا الرئاسة المشتركة للاتحاد من أجل المتوسط مع فرنسا..  ورئاسة "حركة عدم الانحياز" منذ العام الماضي ولثلاث سنوات.. وسوف تستضيف قمة دول "منظمة المؤتمر الإسلامي" شهر مارس المقبل وتتولي رئاستها لثلاث سنوات. تربطنا علاقات صداقة وتعاون مع كافة القوي الكبري والتجمعات الاقتصادية الرئيسية.. ونجحنا في إبرام العديد من اتفاقات التجارة الحرة لتفتح أمام صادراتنا أسواقا جديدة بمزايا تفضيلية.. وآخرها مع تجمع "الميركسور" لدول أمريكا اللاتينية.
أضع لزياراتي الخارجية دائماً أهدافاً محددة.. سواء علي الصعيد السياسي أو الاقتصادي.. وأسعي لتحقيق مصالح لمصر وشعبها.. أينما كانت.. ولطرح مواقفنا من قضايا وأزمات منطقتنا العربية.
* سيادة الرئيس.. تصاعدت في بداية هذا العام أزمة مياه النيل. ووصلت إلي ذروتها عندما وقعت خمس دول من دول المنبع بصورة منفردة الاتفاق الإطاري لدول الحوض. والذي اعترضت عليه مصر والسودان. في حين امتنعت دولتان من دول الحوض عن التوقيع عليه.
* سيادة الرئيس.. هل يمكن لنا فتح هذا الملف كي يطمئن شعب مصر تجاه هذه الأزمة التي لعب فيها الإعلام دورا كبيرا لتصويرها بأنها تمس بأمن مصر القومي؟
 هذا صحيح.. الإعلام علي كلا الجانبين ساهم في تضخيم هذا الموضوع.. الإعلام لدينا تناول الأمر وكأن مياه النيل في سبيلها للتوقف عن التدفق إلي مصر.. والإعلام في دول المنبع تعامل مع الموضوع وكأن مصر تريد حرمانهم من مياه النهر.. ومن حقهم في تنمية بلادهم.
لدينا اتصالات لا تنقطع مع دول الحوض.. سواء من قام بتوقيع الاتفاق الإطاري في إثيوبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا. أو من امتنع عن التوقيع في بوروندي والكونغو الديمقراطي. وتتواصل هذه الاتصالات سواء من خلال رسائلي لقادة تلك الدول أو من خلال إيفاد الوزراء المصريين إلي عواصمهم.. ونقوم بهذه الاتصالات بالتنسيق المستمر مع الإخوة في السودان.
عندما طرحت مبادرة حوض النيل.. كنت ولا أزال علي اقتناع بأن مياه النيل يجب أن تكون مجالاً للتعاون والتنمية المشتركة.. وليس محلاً للتنافس أو الخلاف. مياه النهر تكفي وتزيد عن حاجة دول الحوض.. إذا ما أحسن استخدامها بتطوير إدارتها وتقليل الفاقد منها.. ونحن في مصر نعزز علاقات التجارة والاستثمار مع دول الحوض.. ونتمني لهم المزيد من النمو والتقدم.. ولا نعارض أية مشروعات لتوليد الكهرباء.. طالما لم تؤثر علي حصة مصر من المياه.
وعلي أية حال.. فإنني علي ثقة بأنه عندما يحين الوقت لتناول الأمر علي مستوي القيادات السياسية.. فسوف يتم حسمه علي نحو يحقق مصالح الجميع.. فعلاقتي بهم جميعاً أكثر من ممتازة.. وتقوم علي الصداقة والاحترام المتبادل.. والاقتناع بالمصالح المشتركة بين مصر ودولهم.
* سيادة الرئيس.. كما ذكرتم.. فإن نصر أكتوبر فتح الطريق للتركيز علي التنمية.. ولقد حققتم لمصر إنجازات عديدة في البنية الأساسية وشتي قطاعات الإنتاج والخدمات.. وفي مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. هل لنا أن نفتح هذا الملف بشيء من التفصيل؟
 مصر تغيرت كثيراً منذ حرب أكتوبر ومنذ تحملي المسئولية.. التحدي الأول كان إعادة بناء مرافق البنية الأساسية المتهالكة.. ومواجهة قوي الإرهاب والتطرف.. وقد نجحنا في مواجهة كلا التحديين. مضينا في توسيع البنية الأساسية الجاذبة للاستثمار.. من الطرق وخطوط التليفونات وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي وغيرها ومضينا في إقامة المجتمعات العمرانية والمدن الصناعية الجديدة وتطوير خدمات التعليم والرعاية الصحية والنقل والمواصلات والإسكان.. وحققنا في هذه المجالات وغيرها إنجازات عديدة غيرت وجه الحياة علي أرض مصر.
نجحنا في ذلك رغم الزيادة السكانية الضخمة التي تلتهم أولا بأول قدراً كبيراً من ثمار ما يتحقق من إنجازات.. وتلقي بضغوط متزايدة علي مواردنا.. ويكفي أن أشير هنا لارتفاع قيمة إجمالي الدعم من "2" مليار جنيه عام 1981 إلي ما يزيد عن "مائة" مليار جنيه حالياً.. بكل ما يعنيه ذلك من ضغوط علي موارد الدولة والموازنة العامة.
وأنا أتابع أولاً بأول تنفيذ البرنامج الذي خضت به الانتخابات عام 2005. وشددت في اجتماعي بمجلس الوزراء بكامل هيئته شهر أغسطس الماضي علي ضرورة استكماله خلال العام المتبقي من إطاره الزمني المحدد. وبالنسبة للإصلاح.. فالتعديلات الدستورية عامي 2005 و2007 فتحت أمام حياتنا السياسية والحزبية أبواباً جديدة.. وأنا حريص علي أن تأتي الانتخابات المقبلة لمجلس الشعب حرة ونزيهة. وأدعو الأحزاب للتقدم بأفضل ما لديها من المرشحين. كما أدعو اللجنة العليا للانتخابات لممارسة صلاحياتها بأقصي قدر من المسئولية والفعالية.
أما الإصلاح الاقتصادي فقد صحح اختلالات عديدة دامت لعقود.. وأصبح معها اقتصادنا أكثر قوة وأكثر قدرة علي مواجهة الأزمات العالمية بإمكاناته الذاتية.. علي نحو ما حدث خلال أزمة الغذاء العالمي عام 2008 والأزمة المالية والاقتصادية العالمية العام اللاحق. والأكثر أهمية من ذلك.. أن مصر أصبحت بين أكثر الدول الجاذبة للاستثمار في الشرق الأوسط وأفريقيا.. بما حققته من تطوير في بنيتها الأساسية وبنيتها التشريعية.. وبما حازته من مصداقية. المصداقية هنا عامل أساسي وضروري.. وإن فقدتها إحدي الدول لسبب أو آخر.. فإن الأمر يستغرق سنوات لاستعادة ثقة المستثمرين.. والاستثمارات تعني مشروعات جديدة والمزيد من الصادرات وفرص العمل وفتح أبواب الرزق والعيش الكريم لأبنائنا.
الإصلاح الاجتماعي يمثل لي أولوية قصوي.. فالنمو الاقتصادي لابد أن يصاحبه توسيع لقاعدة العدل الاجتماعي لتصل ثمار النمو والتنمية لكافة شرائح المجتمع ولكافة المحافظات.. ولكي تقف الدولة إلي جانب الفقراء والبسطاء وسكان القري الأكثر فقراً والعشوائيات. والتشريعات التي اعتمدتها الدورة البرلمانية الماضية بشأن تطوير قانون الضمان الاجتماعي. وقانون التأمين والمعاشات خطوة في الاتجاه الصحيح.
* سيادة الرئيس.. أنتم تقودون مسيرة الوطن منذ نحو الثلاثين عاماً.. وعشتم سنوات الحرب والسلام.. كيف تستشرفون مصر ومنطقتها.. بعد عشرة.. أو ثلاثين عاماً من الآن؟
 نعم.. لقد عشت سنوات الحرب بآلامها وضراوتها.. وعشت مراحل عملية السلام منذ بدايتها.. وأعلم تماماً أن السلام يصنعه قادة يمتلكون الشجاعة والرؤية الواضحة للمستقبل.. يؤمنون بأن السلام يحقق مصالح شعوبهم.. ويستطيعون اتخاذ القرارات الصعبة التي تحقق هذه الرؤية وهذه المصالح.
أقول ذلك لأن مستقبل منطقة الشرق الأوسط الذي أستشرفه يرتبط بتحقق أو غياب السلام.. فهو المفتاح لأمن وتنمية دول وشعوب المنطقة.. والعكس صحيح.
إنني آمل إلاّّ نترك للأجيال القادمة تركة ثقيلة من النزاع وعدم الاستقرار.. وأتطلع لأن نترك لمن يأتون بعدنا منطقة أكثر استقراراً وأمناً وسلاماً.. ونحن في مصر معنيون بذلك تماماً.. فمن الصعب أن تنعم بالهدوء والاستقرار والحياة الآمنة.. والنيران تشتعل في بيت جارك.. والسلام والأمن كل لا يتجزأ.. فإما أن تصبح المنطقة ساحة للتعايش والتعاون.. وإما أن تظل مسرحاً للصراع والعنف والإرهاب.
أما عن مصر.. فإنني أستشرفها دولة قوية آمنة.. ومجتمعاً متطوراً متماسكاً.. أكثر رسوخاً في ديمقراطيته.. وأكثر قوة في اقتصاده ومؤسساته وجيشه. هذا ما أراه لمصر ومستقبلها.. فقد وضعنا أقدامنا علي الطريق الصحيح.. وقطعنا عليه شوطاً كبيراً.. لكنني أري مصر أكثر ما أراها دولة مدنية حديثة.. ترعي الاعتدال.. وتواصل دورها باعتبارها رمانة الميزان في منطقتها.
* سيادة الرئيس.. اسمح لنا سيادتكم أن ننتقل إلي الجزء الأخير من الحديث والذي تركناه لنختتم به هذا اللقاء الذي نعتز به ونعتبره وساماً علي صدر جريدة القوات المسلحة نفتخر به كل عام.. ألا وهو القوات المسلحة التي تتحمل المسئولية الأولي في الدفاع عن أمن مصر القومي.. ورؤية سيادتكم لقدرتها علي إحداث التوازن في المنطقة. وعلي درء أي تهديدات مستقبلية؟
 إنني كرئيس للجمهورية والقائد الأعلي للقوات المسلحة أثق ثقة كاملة في أبنائي القادة والضباط والصف والجنود.. وفي قدرتهم علي الاضطلاع بما يكلفون به من مهام.. بأقصي قدر من المسئولية.. وبأعلي مستوي من كفاءة الأداء.
أبناء قواتنا المسلحة يعلمون مدي اعتزازي بهم وبمؤسستنا العسكرية العريقة.. فقد قضيت عمراً بين صفوفها.. وخضت معاركها وحروبها.. وهي الصرح الذي تعلمت فيه قيم الولاء والانتماء للوطن ورايته.. وتعلمت فيه أسس الإدارة والقيادة والانضباط منذ التحاقي بالكلية الحربية عام 1947.
أعلم ما يعيشونه من حياة خشنة. وما يقدمونه من تضحيات.. ولا ينسي شعب مصر أن نصر أكتوبر تحقق ببسالتهم ودمائهم وأرواح شهدائهم.. وبما بذلوه من جهود شاقة لسنوات استعدادا لحرب التحرير.. فحققوا انتصاراً عظيماً أدي لتغيير جذري في العلوم العسكرية. ونظم التسليح والقيادة والسيطرة.. علي مستوي العالم.
أقول بكل الثقة إن قدرات وإمكانيات قواتنا المسلحة أفضل بمراحل الآن عما كانت عليه عندما حققنا نصر أكتوبر عام 1973.. وهي أكثر قوة - تسليحاً وتدريباً وعتاداً - بما يواكب التطور الهائل الذي شهدته جيوش العالم خلال السبعة والثلاثين عاماً الماضية.
هذه الثقة لا تأتي من فراغ.. وإنما ألمسها في متابعتي المستمرة لأوضاع وإمكانيات قواتنا المسلحة.. وأنا حريص علي توفير احتياجاتها من التسليح والمعدات وكل ما يلزم للارتقاء المتواصل بقدراتها واستعدادها القتالي. وأتلقي تقارير عما تجريه من تدريبات ومناورات. وعن مشاركة أبنائها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي حازوا خلالها ثقة المنظمة الدولية لما لقواتنا المسلحة من خبرات منذ عملية الكونغو عام 1960. ولما يتمتع به أبناؤها من كفاءة وانضباط.
مرة أخري.. أعبر عن تقديري وثقتي الكاملة في قواتنا المسلحة.. فهم درع الوطن.. وحماة السلام.. وسند أمتنا.. ودورهم في حرب تحرير الكويت لا يزال ماثلاً في ذاكرة مصر ومنطقتنا العربية.. كما أن إسهامهم في بعض المشروعات الهامة للبنية الأساسية يدعم جهود التنمية.. ويحظي بتقدير الشعب.
* سيادة الرئيس.. في ختام اللقاء التاريخي. ما هي الرسالة التي تود سيادتكم توجيهها لأبناء القوات المسلحة وشعب مصر بمناسبة احتفالنا بذكري الانتصار العظيم في أكتوبر 1973؟
 أقول لأبناء قواتنا المسلحة إنكم أبناء هذا الشعب العظيم.. ونصر أكتوبر قد فتح الطريق إلي السلام.. لكن السلام في حاجة مستمرة لمن يحميه.. فلتكونوا دائماً علي أهبة الاستعداد للدفاع عنه.. وللذود عن أرض مصر وسيادتها ضد أي عدوان أو تهديد.
وأقول لأبناء الشعب.. إن نصر أكتوبر قد برهن علي المعدن الحقيقي للمصريين.. وسيظل دليلاً علي أصالتهم وصلابتهم وقوة عزيمتهم وقدرتهم علي صنع المستحيل. لتكن ذكري النصر زاداً نستلهم منه كل ذلك عاما بعد عام.. ولتكن "روح أكتوبر" حافزاً لنا جميعاً.. في سعينا للحاضر والمستقبل الأفضل.

إرسال تعليق

0 تعليقات