تؤكد الشواهد العملية أن الهجمات والإساءات التي يروج لها الجاهلون بالإسلام والمتربصون بأهله ودياره قد زادت من انتشاره، ورفعت نسبة المؤمنين به، والمعتنقين له والمدافعين عنه، وليس أدل على ذلك من أن التتار والمغول والفرس والعثمانيين الذين غزوا أرضه واعتدوا على مقدساته قد تحولوا بعد ذلك إلى مدافعين عنه، مؤمنين بشريعته، ناشرين لحقائقه، وهم الذين خرج منهم العلماء والفقهاء والدعاة في مختلف فروع العلم والمعرفة كالبيروني والخوارزمي وسلمان الفارسي وغيرهم، وها هو الإسلام يعلو وينتشر في ربوع الدنيا على الرغم من الإساءات التي توجه إليه.
وكلما ارتفعت حدة الهجوم على الإسلام، ظهرت أصوات وأقلام جديدة في العالم تدافع عنه، وتدحض حجج من يناصبونه العداء، وقد صدر أخيراً كتاب «تاريخ ضائع» للكاتب الأمريكي مايكل مورجان الدبلوماسي السابق ورئيس مؤسسة «أسس جديدة للسلام» كشف فيه عن الإنجازات التي حققها المسلمون في العلوم والثقافة، والتي كانت بمثابة حجر الزاوية لعصر النهضة التنويرية في أوروبا والمجتمع الغربي الحديث كله، وقد أوضح في هذا الكتاب أصول التاريخ الفكري للعالم الإسلامي، كما تحدث عن الكتابات التي تناولت علاقة الإسلام بالغرب وأسهمت في شرح مقاصد الشريعة الإسلامية ويقول المؤلف : «إن فقدان الذاكرة الواعية لحضارة كاملة يعتبر مأساة بكل المقاييس، وحدثا خطيراً، لأن الحضارات مهما كانت درجة أهميتها هي في نظره «مختبر للأفكار» وللقيم الإنسانية وللأحلام والمآسي، ويمكننا أن نتعلم منها ونستفيد من الأفكار التي قدمتها».
وقد أكد مورجان من خلال هذا الكتاب أن الفكر والإيمان في الإسلام [/color]يمكن أن يكونا شيئاً واحداً، وأنه من خلال انفتاح العقل واتساع المجال للإبداع الإنساني لكي يعمل بكامل قواه، فإنه يصبح من الممكن معرفة حقائق كثيرة وتحقيق السلام، وهنا أكد أن التاريخ الإسلامي يذخر بالإبداعات والاختراعات والأفكار العظيمة، ويعزر قيم التسامح والتعايش، لأنه تاريخ مملوء بالانجازات الفكرية، مؤكدا أن الحضارة الإسلامية هي التي ألقت ببذور عصر النهضة الأوروبية وأسهمت في تطور الحضارة الغربية من خلال الدور الرائد الذي أسهم به الإسلام في معطيات هذه الحضارة.
وقد قامت مجموعة أخرى من قادة الفكر في أوروبا بإعلان مشروع يستهدف تعريف المجتمع الغربي بفضل الإسلام على العالم، وليس المسلمون كما يصورهم الإعلام المغرض إرهابيين أو متطرفين، ويعمل القائمون على هذا المشروع على إيجاد فهم مشترك بين الأوروبيين والمسلمين، ونشر الوعي بين الدول الغربية بالأصول الثقافية والفكرية المشتركة بين الغرب والشرق.
وقد تصدت المستشرقة الألمانية سيجريد هونكه صاحبة كتاب «فضل العرب على أوروبا» لهذه الإساءات حين قالت: إن هذه النظرة الأوروبية للعرب والمسلمين تدل على ضيق الأفق وعدم الرغبة في الاعتراف بفضل العرب عليهم وعلى العالم الذي نعيش فيه، أما المستشرقة الإنجليزية كارين آرمسترونج فقد ألفت عدداً من الكتب تدافع فيها عن الإسلام منها كتاب «مدينة واحدة وثلاث ديانات»، وكتاب «موجز تاريخ الإسلام»، وكتاب «محمد» ذكرت فيها السيرة الذاتية للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كما صرحت أمام شاشات التليفزيون بقولها: انه لا يعقل أن يكون 1200 مليون مسلم من الإرهابيين، وهم أصحاب حضارة لا تقل في مكانتها عن الحضارة الغربية، ويكفي أن نعرف أن كلمة الإسلام نفسها جاءت من كلمة سلام.
أما الكاتب الأمريكي بول فندلى الذي اصدر كتابه الرائع «لا سكوت بعد اليوم» في الولايات المتحدة، والذي تحدث عن الصور المزيفة للإسلام في أمريكا، والتي تشكلت بفعل التربية الخاطئة للأطفال وهم صغار، لأنهم غرسوا فيهم أن الإسلام هو دين محمد، وان المحمديين متعصبون ويستحقون القتل. هذا في الوقت الذي يتقاعس فيه المسلمون عن تعريف العالم برسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي بعثه الله بشيرا ورحمه للعالمين، وانكمشوا داخل حدودهم، واكتفوا بأداء العبادات، ثم مضوا يلطمون الخدود على جهالات الغرب وأخطائه في حق دينهم، وراحوا يجأرون بالصراخ والعويل والشتائم حين وجدوا من يسخر من كتابهم ورسولهم، ولم يستفيدوا من الكتاب المنصفين في الغرب الذين أشادوا بهذا الدين وبرسوله الكريم.
وقد اختار الباحث الأمريكي مايكل هارت نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) في كتابه الشهير « الخالدون مائة »، أعظمهم محمد رسول الله اختاره كأعظم شخصية في التاريخ الإنساني كله.والمشكلة تكمن في غياب التنسيق بين المنظمات والاتحادات والأقليات والحكومات الإسلامية، فأصبحت هذه المنظمات هياكل هزيلة لا يجمع بينها خطة واحدة أو أهداف محددة، وآليات منظمة، وهذا هو الفارق بين الوجود الإسلامي والوجود الصهيوني في الدول الغربية والذي يتغلغل بصورة سرطانية في التنظيمات الماسونية وفي مراكز صنع القرار وفي أجهزة الإعلام الغربية، ويلعب الدور الجوهري في تشويه صورة العرب والمسلمين والإساءة إلى دينهم وكتابهم ونبيهم.
وفي الحقيقة: إن غالبية المجتمع الأوروبي والأمريكي لا يفهم مبادىء الإسلام ولا يدرك سماحته، ولا يعرف أنه دين رحمة وسلام مما أفسح المجال للمتطرفين في الغرب لبث أفكارهم وزرع الكراهية للإسلام بين الجماهير هناك، هذا في الوقت الذي لم نعرف حتى الآن كيف نواجه المجتمع الأوروبي بالحوار لتعريفه بطبيعة هذا الدين وما يحمله من مبادىء نبيلة وقيم سامية، ومن هنا فلن يكون الحل في مقاطعة الدول الأوروبية التي سمحت لصحافتها بنشر صور ورسوم تسيء للإسلام، فنحن في حاجه إلى هذه الدول لنستفيد مما أحرزوه من تقدم في ميادين العلم والتكنولوجيا لا سيما أن أغلب هذه الشعوب لا تعتبر الأديان فوق النقد من فرط تقديرها لحرية التعبير، ويكفي أن نعرف أن نسبة كبيرة من الشباب في الدنمارك وهولندا وغيرها من الدول الأوروبية ليست لديهم فكرة عن دينهم، ومعظمهم لا يؤمن حتى بالله تعالى، ولذلك انتابهم الشعور بالذهول عندما وجدوا المسلمون يشعرون بالأذى من التعليقات والرسوم الساخرة على رسولهم ودينهم، وكثير منهم لا يعرفون من هي السيدة العذراء، ومنهم من شكك في عذريتها، وهي أطهر نساء العالمين، ومنهم من ادعى أن السيد المسيح كان قد تزوج من مريم المجدلية وهو الحدث الذي تسترت عليه كنيسة روما حتى الآن، والأغرب من ذلك هذا الخرف العلمي الذي خرج به علينا منذ أيام قلائل العالم النفسي اليهودى «بن اشنون» الذي وصف موسى عليه السلام بأنه كان تحت تأثير نوع من المخدرات حين رأى النار عند الشجرة بالوادي المقدس، وحين تلقى الوصايا العشر، فلا غرابة إذن أن يخرج من بين هؤلاء من يتهم رسول الإسلام بأن لحظات هبوط الوحي عليه لم تكن سوى نوبات من الصرع كانت تصيبه آنذاك، هذا في الوقت الذي قام فيه أحد السفهاء بتلويث كتاب الله على شبكة الانترنت، ثم فتح إحدى صفحاته، وتنخم وقام آخر بخرم هذا الكتاب العظيم بشنيور وذلك بكراهية بالغة وحقد دفين، ثم أتى بمنشار كهربائي وحول به هذه الصحف المطهرة إلى قطع صغيرة، ووضعه بعد ذلك داخل خلاط للعصائر، وقد ازدادت هذه الجرائم عل نحو متسارع، وقد شاهد ملايين البشر هذه المشاهد على هذه الشبكة العنكبوتية.
وقد تزامن كل هذا مع إعادة نشر 17جريدة دنماركية وعالمية مرة أخرى الرسوم المسيئة لنبي الإسلام، وقام أحد نوادي المحافظين الجدد في الولايات المتحدة بإنتاج فيلم، وروج له بأسعار رخيصة، مستهدفا من وراء ذلك دفع الشعب الأمريكي إلى كراهية الإسلام من خلال الادعاء بان هذا الدين دين عنف يسعى للدمار، وان النبي محمد «ص» هو سيد حرب، وأنه قتل بيده 600 يهودي، وأن دماء الأمريكيين كلها مباحة وفقا لمفهوم الجهاد في الإسلام، كما أنتج النائب الهولندي المتطرف ويلدرز فيلماً يسب فيه الإسلام تحديداً، وقام بعرضه على موقعه بالإنترنت مستخدما فيه كل ألفاظ السباب والبذاءة.
وإذا كان من الصحيح أن بعض المسلمين قد أساءوا إلى الإسلام بأقوالهم وأفعالهم وأسهموا في تشويه صورته واستخدموا العنف بصورة تؤكد أنهم إرهابيون، إلا أن الغالبية الكاسحة من المسلمين لا يقبلون العنف الذي يستخدمه هؤلاء المتطرفون، وهذا يستلزم إدراك وفقه فكر وثقافة الآخر والمناخ العام الذي يعيش فيه، حتى يمكن اختيار الأسلوب المناسب للحوار معه تطبيقاً لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «المؤمن كيس فطن» وهذا يعني أن ثقافة الانفعال التي يتمخض عنها العنف والتصرفات الطائشة في مواجهة هؤلاء الذين يسيئون إلى مقدساتنا لا تجدي في عالم لا يحترم الأديان، ويتوهم أنه قدس العقل، ويعلى من شأن العلم والمناقشة الموضوعية، ويقدر حرية التعبير إلى حد القداسة، ويمقت العنف، ويرفض الغوغائية.
ولهذا لابد من أن نضع أيادينا على مفاتيح عقولهم حتى يكون هناك تواصل وتفاهم بيننا وبينهم وعدم اختزال الدين في الشكليات والعبادات والأمور الهامشية، لا سيما أن كثيراً من الأوروبين قد بدءوا يدركون حقيقة الإسلام، وعكفت العديد من المؤسسات البحثية على تنظيم دراسات لزيادة الوعي بهذا الدين، وزاد الإقبال على التعرف به، وقد ساهم في ذلك تزايد أعداد المسلمين في أوروبا وتقلد العديد منهم مناصب مهمة هناك.
وفي الحقيقة: إن الحوار مع هؤلاء الذين يشوهون صورة الإسلام هو( من ) أفضل الأساليب للرد على هذه الإساءات من خلال مقارعة الحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق عن طريق تقديم صورة صحيحة للدين الإسلامي دون انفعال أو غضب أو استفزاز لا نجنى من ورائه إلا المزيد من التحدي والتعنت، بعد أن بدأت تظهر أصوات في الغرب تتفهم حقيقة هذا الدين ويكفي أن نعرف أن هناك شبابا من الدنمارك أسسوا موقعا على الإنترنت أسموه «عذرا محمد» اعتذروا فيه عن الإساءة لنبينا الكريم.
وإذا كانت المؤسسات الصهيونية قد نجحت في استصدار قرار دولي يجرم معاداة السامية في أوروبا وأمريكا فان هذه النتيجة جاءت تتويجا لجهد استمر عشرات السنين، ومن ثم فان المؤسسات الإسلامية مدعوة هي الأخرى إلى بذل جهد مماثل لإقناع العالم بإصدار قوانين تفرق بين حرية التعبير المكفولة دستوريا وبين الإساءة للأديان ...، وهذا يعنى أننا بحاجة إلى لوبي إسلامي قوي يكثف جهوده عدة سنوات لتحقيق هذا الغرض، فنحن لا نقبل الإساءة إلى أي دين وإن كان غير الإسلام.
وتكمن المشكلة في أن المسلمين والعرب في الغرب لم يستطيعوا حتى الآن تكوين لوبي مؤثر عند صانعي القرار في أوروبا والولايات المتحدة، حيث إن الجاليات العربية والمسلمة هناك غير منظمة وغير موحدة، ولا يوجد تنسيق بينها، وليس لديها نشاط سياسي ملموس بخلاف الجاليات اليهودية المتجذرة في الحياة الغربية.
الشبكة الاسلامية
الشرق القطرية
0 تعليقات
تذكّر قول الله عز وجل
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))